الأحد، 28 أبريل 2013

مدونة آلة الكمان


آلة الكمان 


مقدمه عن آلة الكمان:

وقبل الدخول في تاريخ الكمان وصناعته والدور الذي لعبه في عالم الموسيقى والثقافة عموماً, لا بد من التوقف أمام طابعه وتمييزه عن باقي الآلات الموسيقية في صوته.
صوت الكمان الأقرب إلى صوت الإنسان
تعود فرادة صوت الكمان إلى التقنية المميزة التي يصدر بها هذا الصوت, والتي لا تشارك بها هذه الآلة سوى عدد محدود من الآلات الموسيقية من ذوات القربى، أي آلات السحب بالقوس, مثل الكمان الصداح والكمان الجهير والكمان الوسطي الألتو.
يصدر صوت الكمان بفعل احتكاك شعر الخيل على وتر من الجلد يصنع عادة من مصارين الحيوانات أو المعدن. فشعر الخيل ليس أملس تماماً كما يبدو للعين المجردة, بل متعرج السياق, وكأنه مزود أسناناً أو تضاريس مجهرية. وكلما علقت سن من هذه الأسنان بالوتر ثم أطلقته، صدر عن الوتر صوت محدد بفعل ارتجافه بعد إطلاقه. ومسار جملة هذه الأسنان في شَعر الخيل على الوتر هو الذي يُصدر النغم الجميل.
وجمال صوت الكمان يعود أساساً إلى قربه الشديد من الصوت البشري على مستويين اثنين: مستوى الخامة, ومستوى الامتداد الزمني.


نشوء الكمان وتاريخه:

تختلف المراجع في تحديد نشأة الكمان من حيث المكان والزمان, وأيضاً من حيث التطور بين قارة وأخرى. فهناك من يرد نشوءه إلى الجزيرة العربية, أو إلى أحد بلدان المشرق قديماً أو حتى إلى الهند. ولكن المؤكد أن أول آلة موسيقية قامت على سحب قوس من شَعر الخيل (أو ماشابه) على وتر, كانت آلة الربابة العربية.
رافقت الربابة الرعاة في البراري والوجهاء في احتفالاتهم والشعراء خلال إلقاء قصائدهم. وإذا ضاعت في غياهب التاريخ الوقائع التي تؤرخ أول ظهور لهذه الآلة, فقد وصلتنا أخبار كثيرة عن حضورها في قلب الفن الموسيقي والمسموع بشكل عام. فكانت رفيقة الغناء والشعر, وكل أشكال الحفلات الاجتماعية مثل الأعياد الشعبية والأعراس, وحتى النواح على المفقودين أو المتوفين.
وهناك ما يشبه الإجماع عند المؤرخين على أن الكمان آلة شرقية المنشأ. ظهرت أولاً في سورية وبلاد ما بين النهرين, وانتشرت لاحقاً عبر مدينة الحيرة إلى الحجاز, ووصلت من العراق إلى بلاد فارس مع فتوحات ملكة أشور سميراميس التي احتلت القوقاز وصولاً إلى تركيا وإيران في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد. ولم تصل إلى أوروبا إلا عبر الأندلس خلال القرن الثامن الميلادي, بعد الفتوحات العربية.
وتعود أولى الوثائق حول وجود الكمان إلى غرناطة في الأندلس. ومن هناك, أدهشت هذه الآلة الأوروبيين بصوتها الشجي. فاتسعت دائرة حضورها وانتشارها. إذ سارع الأوروبيون إلى تلقف هذه الآلة التي وصلت إليهم مع الفتوحات العربية, وراحوا يعملون على تطويرها خطوة خطوة.

صناعة آلة الكمان: 
تختلف صناعة الكمان عن صناعة أي آلة أخرى بكونها تتطلَّب إضافة إلى الدراية العلمية والمهارة اليدوية, مزاجاً بالغ الحساسية والدقة. حتى أن بعض صنَّاع الكمان ارتقوا في نظر المستمعين والذوَّاقة إلى مصاف عمالقة الفنانين والمبدعين.
يتكون الكمان من الرأس الذي يحمل المفاتيح, ثم الرقبة التي ترتكز على كف اليد اليسرى, ثم الزند أو الملمس حيث تتنقل أصابع اليد اليسرى, ثم جسم الكمان الذي يتكون بدوره من الوجه والظهر والجوانب.
وتصنع آلات الكمان من خشب القيقب أو الإسفندان, ما عدا وجهه الذي يصنع من خشب الشوح. ويعود هذا التنويع إلى مميِّزات كل خشب على حدة. فالإسفندان أصلب بكثير من الشوح. أما الشوح فيجعل الصوت رخيماً وأقوى عند خروجه من باطن الآلة.
وتصنع الساق من خشب الأبنوس الأسود, وهو النوع الأصلب, إذ يتحمل ضغط الأصابع سنين طويلة قبل أن تؤثر فيه وتعطله.
يُصنع الكمان على مراحل, لا دفعة واحدة. إذ تنحت أجزاؤه واحداً واحداً. وقد يبدأ العمل بنحت الرأس والرقبة من قطعة خشب واحدة, يليها الظهر أو الغطاء السفلي للآلة من قطعة واحدة من خشب الإسفندان, أو من نصفين يُجمعان بشكل فني يظهر توازناً في المنظر حول خط النصف الطولي الفاصل بينهما. ثم تصنع الجوانب من ست قطع قشرية مستقلة: ثلاث قطع للجهة اليمنى, وثلاث لليسرى.

   

مدارس العزف على الكمان
كان الإيطالي جيمينياني أول من وضع كتاباً لتعليم العزف على الكمان. وطبع هذا الكتاب في لندن خلال النصف الأول من القرن الثامن عشر. وأضاف إيطالي آخر يدعى لوكاتيللي تجديداً جذرياً وواسعاً في تقنية العزف مستحدثاً طريقة للعزف باليد اليسرى من خلال تنقل أصابعها على كل المقامات, كما حدّث معظم حركات اليد اليمنى.
أما أمهر عازف على الكمان عرفه التاريخ فهو نيكولو باجانيني, الذي وصلت أخباره إلى مستويات الخرافات غير القابلة للتصديق. ومنها ما يتعلق بقدرته الفريدة في العزف الفوري والمرتجل. إذ يُروى أن أحدهم تآمر عليه قبل بدء حفلة عزف منفرد, فقطع أوتار كمانه بالسكين خلسة ما عدا واحداً. ولكن باجانيني تمكن من عزف كامل القطعة الموسيقية المعلنة في برنامج الحفلة على الوتر الوحيد الباقي على الآلة, وهو الأغلظ (أي وتر صول). مما دفع المتآمر إلى الهروب من القاعة, والامتناع عن العزف في أي مكان وجد فيه باجانيني. وإضافة إلى ما كان يجري في إيطاليا, أسس ليوبولد موزار والد المؤلف الموسيقي الشهير فولفجانج موزار أول مدرسة ألمانية للكمان. ووطدت هذه المدرسة تقنيات أساسية ما زالت معتمدة في عزف الكمان حتى يومنا هذا. ومن أهم ممثلي هذه المدرسة جوزف يواكيم الهنغاري الأصل الذي أصبح مديراً للمدرسة الموسيقية العليا في برلين عام 1868م, ووضع مناهج تعليم العزف على الكمان.
أما المدرسة الفرنسية – البلجيكية فقد قامت على عدد من جهابذة العازفين وأشهرهم روديه, بايو, وكرويتسر. وقد خرَّجت هذه المدرسة عدداً كبيراً من الأساتذة المرموقين.
وفي نهاية القرن التاسع عشر, تأسست المدرسة الروسية التي جاءت على المستوى المرموق نفسه الذي ميّز المدارس الآنفة الذكر. وشكلت هذه المدرسة الجديدة ظاهرة عالمية لقدرتها التي لا تنافسها فيها أية مدرسة أخرى في العالم حتى اليوم. ومن أهم أعلامها ومؤسسيها ليوبولد آوير وهنريك فينيافسكي.

فيديوهات لطريقة العزف علي آلة الكمان

خصوصيات حضن الكمان
يتميز الكمان عن غيره من الآلات الموسيقية بصعوبة احتضانه في يد العازف. واختصاراً للموضوع نشير إلى خمسٍ من هذه المصاعب:
1  وضع الكمان على الكتف اليسرى,
     والعزف عليه باليد اليمنى.
2  العزف برفع اليدين عن وضعهما الحركي المألوف.
3  صغر الزند الذي تلعب عليه اليد اليسرى.
4  وضع اليد اليسرى المعاكس لحركتها الطبيعية.
5  إصدار الصوت بجر القوس على الوتر.

الكمان في الموسيقى العربية
بعدما سقطت بغداد تحت وطأة الهمجية المغولية في العام 1258م، توزعت فوائد الإنتاج العلمي والفني العربي في أوروبا، فمهَّدت للنهضة الثقافية والحضارية الأوروبية، التي بلغت ذروتها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. وكان من ثمارها العديدة تطوير الربابة العربية إلى الكمان بشكله النهائي.
وأدى نمو الدولة العثمانية وتوسعها في مناطق أوروبية عديدة إلى عودة التفاعل الثقافي بين الشرق والغرب. وعلى الرغم من أن البلاد العربية تأخرت عن أسطنبول في جني ثمار هذا التفاعل، فإن الأمر قد حصل بدءاً من أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.
التحقت آلة الكمان سريعاً، التحاقاً طبيعياً، بمسيرة النهضة الأولى للموسيقى العربية المعاصرة، في القرن التاسع عشر، فأصبحت عضواً أساسياً في التخت الموسيقي العربي (عماد النهضة الأولى)، إلى جانب العود والقانون والناي والرق.
ويذكر التاريخ فضل الريادة في هذا المجال للعازف العربي السوري الأصل أنطوان الشوا، والد العازفين الكبيرين سامي الشوا وفاضل الشوا. وفي عصر عبده الحمولي ومحمد عثمان وسلامة حجازي برز عازف نابه على آلة الكمان، هو إبراهيم سهلون.
أما في القرن العشرين، وبعد ثورة التجديد التي أطلقها سيد درويش، وتابعها من بعده جيل العباقرة الأول (محمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب وزكريا أحمد ورياض السنباطي)، كان طبيعياً أن تكون آلة الكمان العصب الأساسي لتوسيع الأوركسترا العربية، التي راحت تتوسع مع اتساع آفاق تطور الفكر الموسيقي لدى الموسيقيين المجددين. لذلك رأينا تزايد عدد عازفي الكمان في الأوركسترا التي تنفذ أعمال كبار الموسيقيين العرب المجددين في النصف الأول من القرن العشرين، وبعد ذلك.
كذلك كان بديهياً أن يبرز في هذا السياق الحضاري عباقرة العزف المنفرد على آلة الكمان، الذين تميز منهم من أبناء الجيل الأول جميل عويس ويعقوب طاطيوس وعطية شرارة وأنور منسي وأحمد الحفناوي، ثم عبود عبدالعال ومحمود الجرشة وسعد حسن وعبده داغر وجهاد عقل، من أبناء الأجيال التالية   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق